تكفير المسلم أمر خطير وكبير، ومن خطورته بعض ما يترتب عليه من:
الوعيد الشديد المترتب عليه في حق المكفِّر ، واستباحة دم المكفَّر، رفع الحصانة عن ماله، والتفريق بينه وبين زوجته،وقطع موالاته مع المسلمين، وعدم تغسيله، أو تكفينه، أو الصلاة عليه، أو دفنه في مقابر المسلمين، أو الاستغفار له، وعدم إرثه، أو توريثه من ورثته، والحكم بتخليده في النار.
وإذا كان المحكوم بكفرهم جماعة لهم شوكة، فإن ذلك يترتب عليه قتال واحتراب بين المسلمين، قد يكون ذريعة لتدخل أعداء الأمة مع هذا الطرف أو ذاك، فتتسع دائرة الصراع، وتتمدد رقعة الحرب.
والأدلة على خطورة الغلو في التكفير والتحذير منه متضافرة متظاهرة، من القرآن والسنة، وأقوال علماء الأمة، من السلف، والخلف، وأصحاب المذاهب، والمتكلمين، والمجددين المصلحين،عبر تاريخ الإسلام (يمكن الرجوع إلى بعضها في أصل الورقة) ونورد هنا باختصار بعض أقوال الأئمة في التحذير من الغلو في التكفير، فالمنقول من مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنه لا يكفر أحدا من أهل القبلة، ونقل عن الشافعي قوله رحمه الله تعالى: لا أرد شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية لاستحلالهم الكذب، وأما الإمام مالك رحمه الله، فالمعروف عنه عدم تكفير أهل القبلة من أهل الأهواء، مع شدته وتغليظه في الإنكار عليهم، بل والقول بقتل من لم ينقطع شره إلا بالقتل أحيانا، وأما الإمام أحمد فقد قال في وصيته المشهورة لمسدد بن مسرهد:”ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم أو برد فريضة من فرائض الله تعالى جاحدا بها، فإن تركها كسلا أو تهاونا كان فى مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه”.
أسباب الغلو في التكفير
هنا يمكن القول إن للغلو في الدين بصورة عامة، والتكفير بصورة خاصة أسباب عامة مشتركة، وأسباب خاصة ببعض المجتمعات والدول من أبرزها:
- الجهل
فأغلب الغلاة بصورة عامة، والغلاة في باب التكفير بصورة خاصة يغلب عليهم الجهل وقلة الفقه في أمور الدين على العموم، وفي أحكام التكفير، ونواقض الإيمان على الخصوص، وهذا الجهل يظهر في الأحكام والفتاوى التي يصدرونها بحق مخالفيهم، بل في حق بعضهم أحيانا.
- الخلل التربوي
كما أن من أسباب الغلو في التكفير عند الغلاة اليوم الخلل التربوي الحاصل بسبب عملية الشحن العاطفي والفكري التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية أثناء تربية وتوجيه أتباعها دون توازن، مقابل تقصيرها في جوانب التربية الإيمانية التي تصلح القلوب وتهذب النفوس، وإهمالها للعلم الشرعي.
- عدم قيام العلماء بواجبهم
فهنالك فريق من العلماء التحقوا بركب الحرب على الإسلام فانحصر دورهم في إصدار فتاوى تأتي في الغالب بناء على طلب الأعداء، فكانوا سببا من أسباب الغلو عند الشباب الذين تولدت لديهم ردة فعل مضادة.
وهنالك فريق آخر من العلماء انشغلوا بالأمور المريحة التي لا تجلب متاعب، ولا تتسبب في مشاكل، وإن لم يقبلوا أن يوظًّفوا كما وُظف الفريق الأول، فآثروا السلامة، والنأي بأنفسهم عن الموضوع.
وبقيت قلة من أهل العلم هي التي اهتمت بالموضوع، وصبرت على ما يكال لها، ويقال في حقها من تهم من طرف كل من الغلاة والجفاة، ولكن الواجب أكبر بكثير من طاقات هؤلاء وإمكاناتهم.
- الخلل في المناهج الدراسية
ومن أسباب الغلو المهمة الخلل التعليمي والتربوي الموجود في المناهج الدراسية، فكثير من تلك المناهج هي مناهج علمانية، ومادة التربية الإسلامية في هذه المناهج مادة هزيلة، قليلة، مشوهة، والأجيال التي تتخرج على هذه المناهج تتخرج جاهلة بدينها، ولو كانت متميزة في تخصصاتها.
ولما انتبهت السلطات إلى أهمية المناهج الدراسية، وتأثيرها في الجوانب الفكرية والسلوكية للشباب، عالجت الموضوع لكن بصورة خاطئة أعطت نتائج عكسية، فتم مثلا حذف بعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية!! وكان ذلك عاملا من عوامل أخرى غذت غلو الغلاة.
- الانحراف العام عن الإسلام
كما أن من الأسباب التي غذت الغلو في التكفير شيوع المنكرات العظام، والموبقات الجسام في المجتمعات المسلمة المختلفة، حيث انتشرت البدع والشركيات، كالاستغاثة بالأموات، وعبادة القبور وأصحاب المقامات، وكثرت المعاصي والمحرمات، وغيبت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على الناس، فشكل الأمر استفزازا لمشاعر كثير من الشباب المدفوع بعاطفة قوية ليس لها خطام من فقه، ولا زمام من تربية، ولا لجام من تجربة، فتحولت مشاعر الرفض إلى غلو قاد في النهاية إلى التكفير.
- استبداد الحكام ومحاربتهم للإسلام
واصل حكام ما بعد (سايكس بيكو) في العالم الإسلامي سياسة محاربة الإسلام التي بدأها المستعمر، فمكنوا لأذناب المستعمرين، وأصحاب الأفكار الهدامة من علمانيين وليبراليين وشيوعيين، في مجالات التعليم، والثقافة، والإعلام، والفن، وغيرها، كما عطلوا الشريعة الإسلامية، وحكموا القوانين الغربية، وحاربوا الإسلام ودعاته، ونكلوا بالشباب المسلم في السجون، ومنعوا الحركات الإسلامية من العمل القانوني، مما ساهم بشكل واضح في ظهور موجة التكفير التي بدأت بتكفير الحاكم، ووصلت إلى تكفير معظم الأمة عند بعض التكفيريين.
- الغلو المضاد
ومن أسباب ظهور الغلو بصورة عامة، والغلو في التكفير بصورة أخص، ظهور الغلو المضاد الذي يتبجح بالكفر البواح، والردة العلنية، وسب الدين، والاستهزاء بالله ورسوله، والتطاول على الإسلام، في حفاوة دولية، وتكريم علني للمرتدين والزنادقة في العالم!!
- استهداف المسلمين من قبل القوى الكبرى
كما أن من العوامل المغذية للغلو عموما، والغلو في التكفير خصوصا ما يشعر به المسلمون من استهداف منظم وممنهج لهم من قبل القوى الدولية الكبرى، ومن دول غربية محددة على وجه الخصوص.
فالمسلمون يرون مثلا أن دعم الغرب لاحتلال فلسطين من قبل اليهود، واحتلال أفغانستان، والعراق، والجرائم التي ترتكب في حق الإسلام والمسلمين في أكثر من بلد مسلم، ودعم الأنظمة الفاسدة في العالم الإسلامي، ونهب خيرات المسلمين، ما هي إلا أمثلة على عداوات دول غربية معروفة للإسلام والمسلمين، وهو ما غذى روح السخط على الغرب، وكل المرتبطين به من الحكام وأذيالهم، والمتغربين من العلمانيين، والليبراليين، فكان من العوامل المغذية لروح الغلو في التكفير.