تغيير المنكر (2)
آداب النهي عن المنكر
للناهي على المنكر آداب ينبغي عليه مراعاتها والتزامها وإلا خرج عن النهج القرآني الحكيمِ الآمرِ الداعيةَ إلى الله أن يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة, وخرج كذلك عن النهج النبوي العظيم والذي رسم المنهاج واضحا لمن يتصدى للنهى عن المنكر وكيف ينبغي مراعاة أحوال الناس ومقاماتهم ولعل حديث الأعرابي الذي بال في المسجد خير مثال على ما نقول: ” دخل أعرابي المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقال: اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:”لقد احتظرت واسعاً، ثم ولَّى حتى إذا كان في ناحية المسجد فشج يبول فقال الأعرابي بعد أن فَقِه فقام إلىَّ بأبي وأمي فلم يُؤنب ولم يسُب فقال:”إن هذا المسجد لا يُبال فيه و إنما بُنِي لذكر الله وللصلاة”.. إلى آخر الحديث.
ومن أهم ما ينبغي مراعاته من آداب وزنُ الأمور وما يمكن أن يترتب على نهيه فإذا كان نهيه سيؤدى لمصلحةٍ راجحة فهو ما يريده الشرع, وإن علم أن نهيه سوف لا يؤدى لزوال المنكر و لا التقليل منه وسيترتب عليه أذى شديد يصيبه وقد يصيب ذويه فهو خارج عن حدود ما شرعه الله, ومن الآداب التي يجب مراعاتها من المُحتسِب مراعاة حال من يحتسب عليه من حيث علمه وجهله ودرجة فهمه وفقهه ومقامه وسنه وعلاقته به، كأن يكون له أب أو ذو سلطان عليه؛ فأما مراعاة درجة علمه و فقهه، كما يجب أن يكون المحتسب حكيماً حليماً رفيقاً ذا خبرة بنفسيات الناس وحاجاتهم يدل على ذلك ما رواه أبو أمامة قال :إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ائذن لي في الزنا فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا:مه, مه , فقال:”ادنه” فدنا منه قريب ، قال: فجلس, قال:”أتحبه لأمك” قال:لا والله جعلني الله فداءك, قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم, قال أتحبه لابنتك؟ قال:لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم, قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك, قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم, قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك, قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك, قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم, قال: فوضع يده عليه وقال:”اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه و حصن فرجه” فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء”
ومن آداب الاحتساب كذلك التي يجب مراعاتها أنه لا يجوز ممارسة النهى عن المنكر مع بعض الناس إلا في حدود التعريف والوعظ بالكلام اللطيف وذلك كنهى الولدِ والدَه عن المنكر، فلا يجوز له أن يتعدى حدود التعريف والنصيحة بالرفق واللين؛واختلفوا: هل يجوز أن يمارس إزالة المنكر ذاته كإراقة الخمر مثلاً؟ فقال الغزالي: “الأظهر في القياس أنه يثبت للولد ذلك”، لأن إزالة المنكر هنا ليس فيها تعرض لفاعله ولكن ليحذر أن يؤدى ذلك إلى منكرٍ أشد فحينئذ لا تكون إزالته مطلوبة شرعاً:
وقد قسم باحثٌ معاصرٌ علاقة من يقوم بتغيير المنكر بمن يقع منه المنكر إلى خمسة أحوال الرابع والخامس منها تدور حول الوالد والسلطان؛ وهذه الأحوال هي:
1- أن يكون للمُغيِّر ولايةٌ خاصةٌ على ذي المنكر كولاية الوالد على ولده والزوج على زوجته وهذه لا إشكال في أن الراعي أو المسئول يجب عليه تغيير المنكر بكل الوسائل المناسبة حسب الحالة.
2- أن يكون للمُغيِّر ولايةٌ عامةٌ على ذي المنكر كولاية السلطان على الرعية وأمته وهذه كسابقتها وربما أشد لأن السلطان بحكم مكانه واختصاصاته مسئول عن إزالة المنكرات و إقامة الشرع بكل السبل الشرعية.
3- ألا يكون لأي من المُغيِّر وذي المنكر ولايةٌ عامةٌ أو خاصةٌ كما بين أفراد الرعية وجعل هذه ذات شقين هما:
4- أن يكون ولى الأمر الأعلى يقيم شرع الله وينكر المنكر ويغيره حين يعلم به.
5- أن يكون لذي المنكر ولايةٌ خاصةٌ على من يقوم بالتغيير كأن يكون والداً أو زوجاً فإن كان كذلك فتغيير المنكر باليد حينئذ يرجع إلى نوع المنكر ودرجته فثم منكر يغير باليد دون أن يلحق صاحب المنكر إيذاءٌ في نفسه فللولد والزوجة في مثل هذا تغيير المنكر باليد إذا لم يترتب على ذلك ما هو أشد ضرراً؛ وللولد أن يمنع أباه والزوجةُ زوجَها من الإقدام على ما يتعلق به حق الآخرين كمثل قتل أو سرقة أو إحراق مال….فذلك مما لا يحتمل تأخيراً فى تغييره بالصبر عنه؛ فإن كان كفراً بواحاً فليرفعْه إلى السلطان المقيم شرع الله تعالى ليغيره بما يستحق.
6- أن يكون ذو المنكر ذا ولاية عامة على من يقوم بتغيير منكره كأن يكون ذو المنكر هو السلطان وولى الأمر الأعلى؛ وهذا إن كان منكره خاصاً لا يتعلق بحق الرعية فعلى من يراه أن يغيره ما لم يترتب عليه منكرٌ أشد وإن كان منكره مما يجهر به فعلى علماء الأمة تعريفه وتعليمه وعلى العامة مناصرة العلماء ما دام المنكر ليس كفراً بواحاً.