الجهاد أبرز الجذور الفكرية لعنف الجماعات الإسلامية
يعتبر الجهاد من أبرز الجذور الفكرية لظاهرة العنف عند بعض الجماعات الإسلامية، حيث يعتبر الجهاد فريضة من فرائض الإسلام لا يجادل في ذلك من له أدنى معرفة بأحكام الإسلام و، هو فريضة ماضية إلى يوم القيامة لا ناسخ لها، وقد ذهب جمهور فقهاء المسلمين إلى أنه فرضُ كفاية على الأمة إلا فى أحوال بعينها يتحول إلى فرض عين, وذلك فى ثلاثة مواضع:أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف و تعين ليه المقام، والثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالُهم ودفعُهم، والثالث: إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير معه.
وأحكام الجهاد مبسوطة في كتب الفقه بإسهاب، ونكتفي هنا بالإشارة إلى مسألتين مهمتين:
الأولى: أن مفهوم الجهاد فى الإسلام أوسع من حمل السلاح في ميدان القتال، وإن كان حمل السلاح بلا شك من أشرف أنواع الجهاد إلا أن الأمر أوسع كثيرا من مجرد القتال فى ساحة معركة, وربما يكون من الأدق أن يطلق على هذا النوع من الجهاد: القتال “كتب عليكم القتال” البقرة 216. أما الجهاد فهو أوسع مفهوماً ومضموناً, ولعل ذلك الحديث الرائع يبين هذا المعنى بوضوح, فقد روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر”(1). وما لنا نذهب بعيدا وهذا كتاب الله ينطق بالحق فيفرض على المسلمين الجهاد في مرحلة لم يكن فيها للسيف محل فى جهادهم وهى المرحلة المكية حيث لم يؤذن لهم بمجرد رد العدوان أو الدفاع عن أنفسهم ومع ذلك يقول الله تعالى:”وجاهدهم به جهاداً كبيراً” الفرقان:52, ؟ إنه جهاد البيان والحجة والمناقشة والبرهان والدعوة,
الثانية: أن هناك فارقاً بين القتال فى ظل نظام يدافع عن الإسلام ويذود عن بَنيه ,وبين الخروج على النظام وإن كان فى إسلامه دَخَنٌ. فقد قال علماؤنا بالجهاد مع الحاكم الفاسق، لأن الجهاد حينئذ ليس لتثبيت أركان حكمه بقدر ما هو للدفاع عن عقيدة الأمة وأرضها.
وهناك فارق بين الجهاد في ظل دولة للدفاع عنها أو لنشر الرسالة التي تحملها وبين الخروج على الحاكم الفاسق في هذه الدولة,,, في الحالة الأولى نحن أمام صورة واضحة للجهاد في الإسلام تحت راية دولة و إمام.,وفى الحالة الثانية يحتاج الأمر إلى كثير من التفصيل ـ يضيق المقام عنه هنا ـ فنحن لسنا أمام كفر واضح متميز بأهله وذويه يواجهه إيمان واضح , بل نحن أمام مجتمع يُكَوِّن الإسلام ثوابته و مسلماته وقيمه في الأغلب الأعم, وأهله وذووه يعتزون بالإسلام عقيدةً وهويةً ومنهاجاً , ومن يحكم لا يجرؤ بحال على أن يعلن رفضه الإسلام في أي من عقيدته أو قيمه أو تشريعاته.
و لا شك أن الصورتين مختلفتان وأن الجهاد تحت راية نظام واضح ودولة مستقرة ليس كحمل السلاح للقضاء على النظام الحاكم والذي بالطبع لن يستسلم هكذا وإنما سيواجه بكل عنف وبكل ما يترتب على ذلك من إسالة دماء مسلمة أو مسالمة في كل الأحوال.
ولكن هذا لا يعنى بالضرورة أن يستسلم العاملون للإسلام لكل ما يصيبهم ويحل بهم من عسف الظالمين من حكامهم؟ وأن يتذرعوا فحسب بالصبر دون أن يتحلوا بالقوة اللازمة للردع؟ ولكن من قال إن السعى الدائب لدعوة الناس لصحيح الإسلام وتصحيح ما شاب فهمه من أغاليط وتغيير أنماط سلوكياتهم المتعارضة مع أخلاق الإسلام وتغيير القيم المتعارضة مع قيم الإسلام, من قال إن ذلك العمل المضني لا يدخل في مسمى الجهاد ولا يكون طريقا واضحا نحو تغيير الأنظمة التي ترفض أن يكون الإسلام مرجعية الأمة.
ثم هل الوقوف أمام هذه الأنظمة لممارسة أعظم أنواع الجهاد بكلمة الحق تقال وتكتب وتذاع بين الناس وإن أدى الأمر إلى التنكيل والقتل, لا يعد عملا على تغيير هذه الأنظمة الفاسدة وتجييش الجماهير ضدها فإما أن تستجيب لمطلبهم وهو “احترام الإسلام كمرجعية للأمة” وإما سيزداد الضغط الجماهيري عليها حتى تنتهي.
وإذا فشل دعاة “الحل الإسلامي” في أن تصل فكرتهم للناس وفى أن يغيروا من مفاهيم المجتمع وقيمه وأعرافه حتى يصلوا به لأن يكون مؤهلا للقيام بالإسلام والتضحية في سبيله والضغط على النظام الحاكم لينصاع لإرادة المجتمع الذي لا يقبل غير الإسلام عقيدة ومنهاجا وتشريعا,إذا فشل “الإسلاميون” في ذلك فلا أعتقد أن لُجُوءَهم للعنف يُمكِنُ أن يُمكِّنَ لهم فى المجتمع, لأن المجتمع نفسه غير مؤهل لا لاستقبالهم ولا لأن يكون تربة لأنموذج مجتمع مسلم.
ولأنهم عندما يفشلون فيما أسلفناه سيعني هذا أنهم ليسوا أهلا للقيام بالإسلام لأن الإسلام فكرة أقنعت العقول ثم عقيدة تغلغلت في القلوب ثم تغيير لأنماط السلوك ثم مجتمع ودولة, هكذا كان في بدايته وهكذا ينبغي أن يكون دائما الطريق الصحيح لإقامته.