تقوم فكرة إقامة الدولة عند الغلاة على مجموعة مترابطة من الأفكار والمعتقدات، ومن أهمها:
1- الخروج بالسلاح:فهو منهجهم الوحيد للإصلاح، وهو موجّهضد الحكومات وكافة مؤسسات الدولة، وضد كل من تتهمه بالعمالة أو الإعانة لهذه الحكومات من جماعات وشخصيات.
وبما أنَّه لا يمكن إقامة الدولة وإسقاط الدول الحالية إلا بالقتال، فأصبح حمل السلاح واجبًا من جهتين: أنه جهاد الأعداء (المرتدين) لتحقيق التوحيد من جهة، ووسيلة لإقامة الدولة المنشودة من جهة أخرى.
2-خطتهم في التغيير:
بعد عشرات التجارب التي خاضها الغلاةضد الدول في العالم الإسلامي والتي انتهت جميعها بالفشل، رأوا أن الدعم الدولي لهذه الأنظمة هو سبب فشلهم؛ لذا لا بد من ضربالدول العالمية لإزالتها حتى يستطيعوا إقامة الدولة الإسلامية، وتبلورت لديها خطة عُرفت باسم (إدارة التوحش).
حيث قسَّموا العالم إلى قسمين:دول (مركز) وهي دول الكفر، وتتمثل قيادتها حاليًا في أمريكا، ودول تدور في فلكها كدول العالم الإسلامي.وعلى مبدأ أن (قتال المرتدين مقدَّم على قتال الكفار الأصليين)، فإن خطتهم تقوم على إيجاد موطئ قدم في هذه الدول التابعة، ثم زعزعة أمنها لإنهاكها، ما يؤدي إلى ضعفهاودخولها في حالة من التوحش (الاضطراب)، فتتولى الجماعات (الجهادية) إدارتها لإكمال إسقاط هذه الأنظمة، ثم تعمل على حشد الشعوب -بخطط عسكرية ودعوية وإعلامية- لإسقاط النظام العالمي (المركز)، ثم إقامة الدولة الإسلامية.
3- خطوات مشروع إدارة التوحش:
أ/ استغلال أوضاع البلدان الإسلامية وشعوبها لإطلاق مشروعها الخاص وحمله:
يمتاز فكر هذه الجماعات أنَّها لا تستطيع إقامة مشروعها بنفسها،وأنه غير قابل للوجود في المجتمعات المستقرة؛ لذا فإنها تتطفل على مشاريع وظروف غيرها لتنشأ في كنفها ثم تنقلب عليها.فتبحث عن المجتمعات التي توجد فيها أعمال جهادية وحركات ثورية للدخول فيها، ولما يسود تلك المجتمعات من ظروف حرب وعدم استقرار فإنها تستغل ظروفها لإقامة مشروعها.
ب / العمل على إقامة وحدات إدارية منفصلة داخل الدول الإسلامية المستهدفة بالعمليات العسكرية، ثم الربط بينها للتنسيق الإداري والعسكري:
يقول الجولاني في شريطه المسرَّب: “سيتم تقسيم الجيوش إلى كتائب وسرايا، سيكون هناك جيش في حلب، سيكون هناك أيضًا جيش في إدلب … وإخوانكم في درعا سيلتحقون بكم أيضًا سينشؤون جيشًا وإمارة أيضًا هناك، وكذلك بإذن الله أيضًا في الغوطة المحاصرة.ثم سنضع استراتيجية لجمع هذه الإمارات في إمارة واحدة.
ج / الحرص على جلب (المهاجرين) لصفوفهم، وتسليمهم زمام الأمور الدعوية والقتالية والقيادية، حيث تمثل ما يسمى (الهجرة) إحدى أهم ركائز جماعات الغلو المعاصر، فمن أهم أسباب اعتمادهم على (المهاجرين):اعتقادهم أنهم أصح عقيدة من أبناء المجتمعات الإسلامية التي يظهرون فيها، واعتبارهم أكثر إخلاصًا وتفانيًا للمشروع، وأن وجودهم سيجهض أي مشروع لقيام دولة على أساس الحدود والجنسيات الحالية.ولا تخلو منتجات هذه الجماعات غالبًا من الدعوة إلى النفير إلى مناطقهم والحث عليها بكافة السبل.
د / إقناع الشعوب بالمشروع وتجنيدهم فيهعن طريق إغرائهم بتوفير الحاجيات المعيشية اليومية لهم التي يفتقدونها بسبب ظروف هذه المناطق،لتكوين بيئة حاضنة تحمل المشروع.
وقد فصَّل أبو بكر ناجي وسائل هذا الاستقطاب بأمور منها: التعليم الديني على منهجهم، والتأليف بالمال.وقال الجولاني: “نحن نقدم لهم الكهرباء، نقدم لهم الماء، نقدم لهم الحنطة، نقدم لهم الطحين، نقدم لهم القضاء، نقدم لهم الأمن، نقدم لهم الحماية، نقدم لهم الشرطة، نقدم لهم تسيير معاملاتهم التجارية”، وقد تحدث الجولاني بنفس الحديث في مقابلة له مع قناة الجزيرة.
ه / ممارسة سياسية إعلامية احترافية تجاه الشعوب لإغرائها بالانضمام للمشروعوالدفاع عنه:
فالإعلام لهذه الجماعات قد يُقدَّم على العمل العسكري في الكثير من الأحيان، وتبذل فيه الكثير من الجهود والأموال، وأبرز أهدافه: إبهار الجمهور المتابع، وإقناعهم بالمشروع؛ لتجنيدهم، وجذب أفراد الجماعات الأخرى، وقد عول أبو بكر ناجي على العمل الإعلامي في مواضيع عديدة من كتابه، وكذلك أيمن الظواهري.
و / الدعوة والتربية على المنهج لاجتذاب الأتباع وتجنيد المناصرين للمشروع.
يتميز فكر هذه الجماعاتأنَّه غريب عن المجتمعات الإسلامية؛ لذا فإنَّ من أولى أولوياتها تدريس مناهجها وتقديم مرجعياتها الشرعية، وعمدت مؤخرًا إلى ترجمتها لعدة لغات ونشرها عبر شبكة الانترنت.
قال الظواهري: “لتسعوا لأن تعودوا بالأمة التي طالت غربتها عن شريعتها … بعيدًا عن انحرافات المنحرفين، وأكاذيب تجار الدين الدجالين، ومناهج الانهزام والاستجداء، وفلسفات التراجع والانحناء، وفقه المتسولين، وفتاوى علماء المارينز،ومساومات قادة الحركات الذين يجرون الأمة للعلمانية بعيدًا عن حاكمية الشريعة، وللعصبية للمواطنة بعيدًا عن أخوة الإسلام، وللرضوخ لسايكس بيكو بدلًا من دولة الخلافة”.
ز / جرّ الشعوبوتوريطهم بالمعركة رغمًا عن إرادتهم، ليكونوا وقودها وضحاياها:
مع كل الجهود المبذولة فإن أعداد المنضمين لهذه الجماعاتيبقى منخفضًا لطبيعة أفكارها، مما يهدد مشروعهم بعدم الاكتمال،فكانت خطتهم جر الشعوب وتوريطهالإكراهها على المشاركة في المشروع، قال أبو بكر ناجي متحدثًا عن فكرة الاستقطاب: “أروع الأهداف … هي جعلنا لا نخشى من عواقب أن يبلغ الاستقطاب في الأمة أقصى مدى له …نقصد بالاستقطاب هنا هو جر الشعوب إلى المعركة…
ح / في حال فشل المشروع:
لم تضع حركات في التعامل مع الدولة والحكم إلا تصورًا وحيدًا وهو تطبيق كل ما تعتقده دفعة واحدة كاملًا، ثم إذا فشلت (التجرية الجهادية) فالحل في الانتقال إلى بلدٍ آخر، والبحث عن مشروعٍ آخر، وترك الشعوب لمصيرها الذي يجب عليها أن تتحمله لإقامة دين الله.
وبالنظر إلى تجارب هذه الجماعات –مع كثرتها وطول زمنها- فإنها لم تستطع البقاء في المناطق التي ظهرت فيها فضلًا عن إدارتها، بل تركت آثارًا مدمرة؛ لغياب خطط الإعمار والبناء لديها؛فمشروعها الحقيقي إثارة الفوضى وإداراته مؤقتًا حتى يأتي الفتح وتتحقق النبوءات بدخول عامة الناس في الدين وقيام دولة الخلافة!
حيث دمرت أفغانستان، وسقطت حكومة طالبان، ثم انسحبت القاعدة منهاإلى إيران والعراق، وفي العراق: دُمرالعمل الجهادي، ومناطق أهل السنة، وزاد نفوذ الرافضة، ثم تخلت القاعدة عن تنظيم (الدولة) لما فقدت السيطرة عليه، وفي سوريةبعد كل تصريحات الجولاني عن الإمارة على منهاج النبوة، ورفض أي حل إلا ما يراه ويعتقده قال عبر معرف أبو عمار الشامي بتغريدة معبرا عن سهولة التخلي عن هذه التجربة: “لا يعيب الثبات على الدين أن يكون المنتهى الجبال والأودية”!