هذه دراسة تجريبية تهدف إلى تدارك أخطاء البحوث الحالية من خلال طرح السياق الأمني الحالي في تشاد وأوجه التمايز بين التيارات الإسلامية المختلفة، وذلك لإظهار مدى خطورة الخلط بين جميع تلك التيارات الفكرية على أنها جميعاَ تدعم التطرف الديني العنيف. ولهذا الهدف، تشير الدراسة إلى التقرير البحثي الدولي لأحد المشروعات التي كان قد تم تنفيذها للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP)، تحت عنوان “دراسة لمفاهيم عوامل انعدام الأمن والتطرف العنيف عبر حدود دول إقليم الساحل”. تستهل الدراسة بوصف للسياق الدولي والإقليمي لمكافحة الإرهاب، ثم تعرض أوجه القصور في تحرك الحكومات التي تواجه مسألة التطرف العنيف، وأخيراً تخلص الدراسة إلى أن الإجراءات التي تنتهج قراءة مغايرة للحركات المختلفة تجعل التعايش والحفاظ على السلام أمراً ممكناً.
وتستنتج الدراسة وجود أسباب مختلفة تؤدي بالسكان نحو التطرف العنيف. فعلى المستوى الوطني، فإن فهم الحكومة التشادية للتطرف العنيف فهم غير صحيح ينبع من سوء فهم للواقع المحلي مصحوباً بتدابير وردود فعل غير ملائمة. فإنطلاقاً من وجود الحكومة في موقع السلطة السيادية المنوطة بحماية سكانها، بدأت بنسخ القوانين التي نجحت في مواجهة الإرهاب في أماكن أخرى من العالم. فالقانون التشادي في هذا الصدد هو نسخة طبق الأصل من قوانين أخرى. وتعتزم الحكومة التشادية إتخاذ خطوات لتوقع الإرهاب من خلال تعريف وتصنيف الأفعال الإرهابية التي يمكن اعتبارها جرائم. ويجنح التشريع إلى قمع أي شكل من أشكال التحدي للسلطة، حتى من قبل النقابات العمالية، فحالما وقعت الهجمات الأولى، تم توسيع النطاقات القانونية. وعند التأمل في تلك الترسانة القانونية، نجد أنها لا تستهدف شيئاً سوى “طمأنة” السكان باعتبارأنها يجب أن تردع الإرهابيين عن نشاطهم. لكن هذا لم يمنع “المتطوعين للموت”. ففي الحقيقة، كشفت التحقيقات التي أجراها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أن الانتحاريين ليسوا من أبناء تشاد، بل أجانب يتلقون الأموال لتنفيذ الهجمات. وفي حقيقة الأمر، فإن العقلية التشادية معارضة بشدة لمثل هذه الأعمال العنيفة غير المبررة، فالعنف الذي تم تنفيذه في مثل هذه الهجمات لم يجد أرضية ثقافية ملائمة.
وفي الختام، فإن غياب التفكير الجاد والتدابير المبتكرة من شأنه أن يمنع التوصل لحلول من أجل التعامل مع التطرف العنيف، ويضخم الأزمة السياسية والدينية. فهو يعوق المجتمع العالمي، ويواصل إضعاف الدولة، ويشرذم المجتمعات ويكرس اللجوء إلى الهوية. باختصار، فهو أمر يقتل الجمهورية وقيمها.
وتحتل تشاد مكاناً هاماً جداً في جغرافية العنف. لذلك ينبغي للدولة التشادية أن تجري دراسة أكثر تفصيلاً للمنظمات الإرهابية وأن تتشارك خبرتها في التعامل مع الجماعات المتطرفة في أراضيها مع شركائها. ومع ذلك، فهي لا تفعل هذا. ففي الوقت الحاضر، لا يفيد تصنيف المجموعات وشيطنتها واستخدامها ذريعة لأغراض سياسية قضية الحوار بين الأديان. فالتيار السلفي يبدو جماعة مستهدفة ويبدو ضحية. وفي الوقت نفسه، فإن التيجانية، التيار الصوفي المعارض والمنافس، يتم دفعه إلى التعصب والتشبت بالوضع الراهن. واستناداً إلى دعم بعض الدبلوماسيين الأجانب، تميل تصريحات بعض زعماء الطريقة التيجانية في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية (CSAI) إلى تصوير السلفيين باعتبارهم مؤيدي التطرف العنيف، والمقصود هنا أنهم حلفاء جماعة بوكو حرام. ومن هذا المنظور، يعد تطبيق قانون مكافحة الإرهاب ضدهم مجرد خطوة قصيرة المدى، لأن الحكومة في هذه الحالة ستكون قطعت على نفسها خط الرجعة إذا ما أفلتت الجماعات السلفية من قبضتها لسبب أو لآخر. وفي هذه الحالة، سنشهد قمعًا دينيًا أعمى، مما يتعارض مع الدستور الذي يضمن حرية العبادة. لكن هذا القمع أيضاً قد يثير قلق الجماعات الدينية غير المسلمة، وهنا ستكون خطورة وقوع حرب من الجميع ضد الجميع