تحدّيات “المرجعية والتنفيذ”.. والدروس المستفادة
يمثّل النظام السوري الاستبدادي نموذجاً مثالياً للأنظمة القمعية الشمولية التي تُحوّل جميع مؤسّسات الدولة إلى ما يشبه الفرع البوليسي والمحكمة وقوس العدالة من ضمن ذلك، حيث يتحوّل هذا القوس إلى مجرّد منصّة لإصدار أحكام الإعدام الميدانية، وربّما لمنصّة تنفيذٍ مباشر للقتل خارج أطر القانون، وهذا ما يفسّر الموقف الشعبي السلبي المباشر الذي اتخذه الشعب السوري من النظام القضائي في سوريا حيث عدّه نظاماً معادياً، بل شبكة أفخاخ للإيقاع بالمواطنين، ولهذا كانت القطيعة مع هذا النظام قطيعة مباشرة، وقد أُحدث نظام المحاكم الشرعية بديلاً قضائيّاً للفصل بين الناس في خصوماتهم.
ففي نهاية عام 2012م تحرّرت الكثير من الأراضي السورية عن سيطرة نظام الأسد المستبدّ، وأصبحت هذه المناطق خارج سيطرة النظام ومؤسَّساته، حيث شهدت المناطق المحرَّرة فراغاً من الناحية القضائية والخدمية، وكان ذلك سبباً في لجوء الناس إلى العمل على تأسيس محاكم وهيئات قضائية لحفظ الأمن وتحقيق العدل وإنصاف المظلومين ومعاقبة المجرمين، وبسبب كثرة الفصائل في المناطق المحرَّرة من جهة ودخول التنظيمات المتطرِّفة من جهةٍ أخرى؛ شهدت هذه المحاكم اختلافاً كبيراً من حيث مرجعية الشريعة والمرجعية الإدارية مما سبّب اضطراباً كثيراً في السلطة القضائية وفي المحاكم، إلا أنّها استطاعت الاستمرار -بطريقة من الطرق- حتى الآن في مقاومة العديد من التحدّيات التي واجهتها، واستطاعت الاستجابة لمعطيات الواقع وأنْ تطوّر من نفسها بناءً على ذلك، وذلك مع الإخفاقات التي اعترت سيرها.
ما يجعلها -بالمجمل- تجربة رائدة في الثورة السورية وحَرِيّةً بالبحث والدراسة، إذ سدّت ثغرة كبيرة فيما يتعلّق بضبط الأمن في المناطق المحرَّرة، وتيسير أمور الزواج والطلاق والمعاملات وغير ذلك من الأمور المتعلّقة باختصاصها، ويزيد أهمّية تسليط الضوء على هذا الجانب كون السلطة القضائية هي السلطة الثالثة في أيّ حكومة، ومن الضرورة بمكان تسليط الضوء عليها بالبحث والدراسة؛ بغية الارتقاء بها لسدّ حاجة المجتمع، ولتكون قادرة على لعب دور في حكومة سوريا ما بعد الحلّ السياسي.
ويمكن تبويب الخطوط الرئيسة في سردية تجربة المحاكم الشرعية في سوريا بالنِّقاط الآتية:
1- نشأت المحاكم الشرعية في المناطق الخارجة عن سلطة نظام الأسد نتيجة الحاجة المجتمعية إليها في تحقيق الأمن وضبط المجتمع والفصل بين الخصومات وتيسير معاملات الطلاق والزواج والبيوع وغير ذلك، وليس كما هو الشائع أنّها نشأت أداةً للتنظيمات المتطرّفة لبسط سيطرتها.
2- تدرّجت مراحل تطوّر المحاكم انطلاقاً من ظاهرة شرعيّي الفصائل مروراً بالهيئات الشرعية التي تُعنى بإصدار الفتوى والدراسات، وانتهاءً بالمحاكم الشرعية التي تطوّرت مع مرور الوقت لتأخذ مساراً احترافياً ويشارك فيها المحامون والحقوقيون، باستثناء محاكم تنظيم داعش.
3- يمكن تقسيم المحاكم الشرعية قسمَين:
- الأوّل: تلك التي تطوّرت حتى أسّست المجلس الأعلى للقضاء في سوريا الذي يحظى بدعم من المجلس الإسلامي السوري، وتتبنّى القانون العربي الموحّد في محاكمها.
- والثاني: هو المحاكم التابعة لجبهة النصرة أو وزارة العدل التابعة لحكومة الإنقاذ الموالية لهيئة تحرير الشام لاحقاً وقد اعتمدت “الشريعة الإسلامية حسب فهمها الخاص” مصدراً للحكم دون تقنين معتمدِة في ذلك على اجتهادات “القاضي”، أو الشيخ، وقد فرضت تطبيق الحدود في بعض الأحيان، مع الإشارة إلى السيطرة الأمنية الكاملة على الجهاز القضائي.
4- اندثرت المحاكم التابعة للمجلس الأعلى للقضاء مع سيطرة نظام الأسد على كلّ من درعا وريف دمشق وحلب وذلك بعد تهجير قوى الثورة من هذه المناطق عام 2018م، وليحلّ محلَّ المجلس الأعلى -وبطريقة تدريجية- المحاكمُ التابعة لوزارة العدل في الحكومة السورية المؤقّتة وذلك في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات التي تبنّت تطبيق القانون السوري على وفق دستور عام١٩٥٠م بصورة معدّلة، في حين هيمنت هيئة تحرير الشام على المحاكم التابعة له في محافظة إدلب بحكم الأمر الواقع عام 2019م إلى حين كتابة هذه الدراسة.
بعد هذه النِّقاط السردية يمكن التحدّث عن أبرز التحدّيات النظرية والعملية التي واجهت تطوّر المحاكم الشرعية والمآل الذي آلت إليه فيما يأتي:
- التحدّيات النظرية.
- التحدّيات العملية.
أولاً: التحدّيات النظرية “المرجعية”
تجلّت التحدّيات النظرية التي واجهت عمل المحاكم الشرعية بالنِّقاط التالية:
أ) مرجعية المحاكم بين الشريعة من جهة والقانون الوضعي والعُرف المحلّي من جهة أخرى:
باختصار: هناك فريقان يختصمان على المرجعية القانونية للمحاكم وهما:
- الفريق الأول: مجموع القوى الثورية والشعبية ومن يتصدّرهم من علماء وقادة ثوريين يرون أنّ تطبيق الشريعة الإسلامية في نظام المحاكم الشرعية هو الحلّ الأمثل حتى يقطع الطريق على التنظيمات المتطرّفة من استغلال الادّعاء بتطبيق الشريعة للهجوم على القوى الثورية والوطنية وتفكيكها، وبطبيعة الحال لأنّ الثقافة الإسلامية هي المكوّن الأساسي للمواطنين الذين يرَون فيها تجسيداً لهُوِيّتهم.
- الفريق الثاني: نُخَب من المثقّفين القانونيين من قضاة ومحامين، والعلمانيين بطبيعة الحال، وفي الأخصّ غير المسلمين الذين يرَون أنّ الثورة هي فقط ثورة حرّية على نظام استبدادي، ومعنى ذلك أنّه ليس لها تغيير القانون والدستور بحيث يصبح مستمدَّاً من الشريعة الإسلامية بدل القوانين الدولية التي كان معمولاً بها في سوريا.
ولقد حُسم الخلاف في نهاية الأمر لصالح تطبيق القانون السوري الصادر عام 1950م، وذلك في المناطق التي تتبع إدارياً للحكومة السورية المؤقّتة التي تمثّل المصالح الثورية، وهي تنحصر جغرافياً بعد عام 2017م في مناطق العمليات العسكرية (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، شمالي حلب وشرقيّها وأجزاء من ريفَي الحسكة والرقة الشمالية). وكان هذا التطبيق من الحكومة السورية المؤقّتة مع بعض التوافقات والتفاهمات مع ممثّلي العلماء والشيوخ والفعاليات الثورية، وقد أسفرت عن اتفاق بَطَيّ بعض الموادّ المخالفة للشريعة الإسلامية ومبادئ الثورة وخاصّةً تلك التي وضعها النظام الاستبدادي لتسويغ تغوّله على الدولة والمجتمع مثل قوانين الطوارئ ومحكمة أمن الدولة، مع الإشارة إلى أنّ حسم الخلاف على أرض الواقع لم يَحسم الجدل الفلسفي والإعلامي حول موضوع المرجعية بل تَخرج بين فترة وأخرى دعوات وحملات إعلامية مطالبة بتطبيق القانون العربي الجزائي الموحّد بديلاً شرعيّاً عن القانون الوضعي، لكن أيّاً من هذه الحملات والمطالبات لم يُكتب لها النجاح حتى الآن.
ب) تقنين الشريعة والقانون العربي الموحّد “وهذا ضمن المتفقين على تطبيق الشريعة”:
حتى بين الذين حسموا خَيارهم بتطبيق الشريعة خياراً وحيداً كان هناك اختلاف حول موضوع “تقنين الشريعة”.
وهو من المواضيع الجدلية التاريخية التي تتفاوت فيها آراء المشرّعين والقانونيين منذ إصدار السلطنة العثمانية لـ”للمجلّة العدلية” أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، المجلّة التي احتوت على أوّل تقنين لأحكام الشريعة الجزائية والإجرائية.
وقد بقي هناك أيضاً تيّاران يختلفان في صوابيّة تقنين الشريعة:
- التيّار الأول: الرافضون، وكانوا كثرة وتيّاراً معتبَراً في القرن الماضي، ولكنّه انحسر لصالح القول بتقنين الشريعة، ونلاحظ أنّ من يميل لهذا الرأي اليوم هم في الغالب اليوم ممّن يُحسبون على “التنظيمات المتشدّدة”، يرَون في هذا التقنين تقييداً لاجتهادات القضاء وخصوصيات الزمان والمكان والحالة، ولكنّهم في الأساس يرفضونه لأنّهم يَعُدّون التقنين منتَجاً حداثياً غربياً!
وبقريبٍ من هذا علّق المصري “طارق عبد الحليم” الذي يُعَدّ من أشدّ المرجعيات السلفية الجهادية تأييداً لـ”هيئة تحرير الشام” سابقاً، علّق على موضوع اعتماد القانون العربي الجزائي الموحّد بالقول: “إنّ القانون العربي الموحّد يقف في الوسط بين الإسلام والكفر”. وأردف عبد الحليم في تغريدات له في “تويتر”: “القانون العربي الموحّد هو مشروع قانون لا قانون. وهو كحلّ وسط بين القانون السوري والشريعة، يقف وسطاً بين الإسلام والكفر، وبين الشريعة والتحديث”.
وقريب من هذا موقف “إبراهيم شاشو” قبل استقلاله حركة أحرار الشام أعلن على قناته في التلغرام: “حول اعتماد الهيئة القضائية لأحرار الشام الإسلامية القانونَ العربيَّ الموحّد في محاكمها وهيئاتها أقول: اللهمّ لم أشهد، ولم آمُر، ولم أرضَ إذ بلغني”، ليتسلّم لاحقاً منصب وزير العدل في حكومة الإنقاذ المرتبِطة بهيئة تحرير الشام.
- التيار الثاني: حسم أمره بالأخذ بصوابيّة تقنين الشريعة، واعتمد القانون العربي الجزائي الموحّد وطبّقه في المحاكم التابعة له، وهي المحاكم التابعة لمجلس القضاء الأعلى الذي كان ذروة وجوده وحيويّته بين عامَي 2016- 2017م، قبل أن تنحسر سلطاته القضائية وتُفكَّك محاكمه بحكم الخسائر العسكرية التي لحقت بقوى الثورة في درعا وأرياف دمشق وحمص من جهة، وسيطرت جبهة النصرة بأسمائها المختلفة على منطقة إدلب من جهة أخرى.
ويمكن القول: أنّه ليس هناك محكمة الآن لا تلك التي تتبع للحكومة المؤقّتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ولا “لحكومة الإنقاذ” التي تتبع لهيئة تحرير الشام.. ليس في أيٍّ من المحاكم يُطبَّق القانون العربي الجزائي الموحّد، ما يعني أنّ الجدل قد حُسم حول مسألة تقنين الشريعة، حيث تعتمد محاكم الحكومة المؤقّتة قانون ١٩٥٠م، وتعتمد محاكم حكومة الإنقاذ “الشريعة الإسلامية حسب فهمها” بدون تقنين.
ثانياً: التحدّيات العملية
أ) استقلالية القضاء: يمكن إعطاء تقسيمَين لمدى استقلالية القضاء في المناطق المحرّرة كالتالي:
- تدخّل في التعيين واستقلالية في الأحكام وهذا غالب المحاكم التي كانت تتبع لقيادة الجيش الحرّ الذي كان يضمّ الضبّاط المنشقّين والفصائل الإسلامية المعتدلة، وهو الحالة الأكثر تمثيلاً للثورة الشعبية، إذ لم تكن هذه المحاكم مستقلّة تماماً باختيار القاضي أو قائد القوّة التنفيذية، بل كانت قيادة العسكر سواء لفصيل أم عدّة فصائل هي من ترتضي القضاة وتعيّنهم بعد عدّة مقاربات ومنها رِضى الحاضنة الشعبية وسمعة القاضي إذ هو معروف لدى الناس لأنّه من مشايخ الدين المشهورين، ولكن هذا التدخّل كان ينتهي عند تعيين القاضي ولا يستمرّ لما بعد ذلك من التأثير في الإجراءات القضائية والنطق بالأحكام أو تسييسها، فقد كانت تتمتّع باستقلالية جيّدة.
- تدخّل في التعيين وتسييس للأحكام: وهذا واضحٌ في المحاكم التي أسّستها جبهة النصرة، المحاكم التي أسمتها بدور القضاء، ثمّ تطوّرت لتصبح محاكم تابعة لوزارة العدل في “حكومة الإنقاذ “، وهذه المحاكم بطبيعة الحال من حيث التأسيس والهدف لا تختلف عن الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام، فهي عبارة عن إدارة لتنفيذ سياسات هيئة تحرير الشام بالتحكّم والسيطرة على الحاضنة الشعبية، حيث اشتهرت بفرض الإتاوات والغرامات المالية، ممّا سبّب لها سمعة بالغة القتامة.
ب) ضعف قوّة إنفاذ القانون “الأمن”:
لأنّ هذا متعلّق بالإمكانات المادّية، حيث كانت تفتقر المحاكم للتمويل ولو بالحدود الدنيا، التمويل الذي يضمن كفاية العناصر الأمنية المتفرّغة لخدمة القضاء، وبقي التمويل تحدّياً حيويّاً يؤثّر تأثيراً سلبيّاً على العملية القضائية، ولم تستطع المحاكم أن تجد له حلّاً حتى تأطّر العمل الحكومي، وهو على ضعفه أفضل حالاً من حيث تمويل القوى الأمنية التي أصبحت في مناطق الحكومة المؤقّتة أجهزة شُرَطية منظّمة تنظيماً مقبولاً يلبّي الاحتياجات الأساسية في أمن المحاكم وتنفيذ قراراتها، إذ يخدم جهاز البوليس العسكري إدارةَ القضاء العسكري التابع لوزارة الدفاع، كما يخدم جهازُ الشرطة الحرّة القضاءَ المدني التابع لوزارة العدل في الحكومة السورية المؤقّتة.
ت) تعدّد المحاكم بحسب تعدّد المرجعيات الإدارية:
حيث تتوزّع المحاكم الشرعية من حيث المرجعية الإدارية بحسب القوّة العسكرية المهيمنة على منطقة وجود المحكمة الشرعية، وهذا إلى ما قبل هيكلة النفوذ الحكومي الحالي، إذ تتبع كلُّ محكمة للحكومة التي تدير منطقتها الجغرافية، وهي في عام 2019- 2020م موزّعة بين الحكومة السورية المؤقّتة التي تدير مناطق شمالي(حلب – الرقة – الحسكة)، وبين حكومة الإنقاذ التي تدير محافظة إدلب. ولا يخفى تأثّر إجراءات التقاضي تأثّراً كبيراً في ظلّ عدم انتظام جميع المحاكم تحت وزارة عدلٍ واحدة في حكومةٍ واحدة.
ث) نقص الأُطُر والكفاءات من قضاة ومحامين ومشرّعين؛
وذلك لظروف الحرب وانقسام النُّخَب السورية بين الثورة من جهة ومؤسّسات النظام من جهةٍ أخرى، حيث بقيت النسبة الأكبر من القضاة والمحامين في مناطق سيطرة النظام السوري، لأسباب تتعلّق بالولاء من جهة وبالخوف من بطش النظام السوري بأُسَرهم من جهةٍ أخرى.
إنّ تجربة المحاكم الشرعية وتحدّياتها في بيئة غير مستقرّة تجربة حَرِيّة بالبحث والاطّلاع، وخاصّة مع ما يمكن أن تقدّمه المحاكم الشرعية في حال تطوّرها وتحديثها ورفدها بالأطُر والكفاءات وبنائها بناءً احترافيّاً مِن دَورٍ فعّال في مواجهة الغلوّ والتطرّف وتفويت الذرائع على الجماعات المتشدّدة التي تخطف الحالة الثورية لمنعطفات خطيرة تحت دعاوى تحكيم الشريعة ومناهضة “القوانين الكُفرية”.
وعلى خلفيّة هذا العرض من الممكن اختصار أهمّ التوصيات بـ:
- إنّ توحيد المرجعية القضائية والسلطة القضائية ضمن سلطة حكومية واحدة ضرورة لا يُعدَل عنها.
- الاعتماد على الكوادر المؤهَّلة والمدرَّبة من القضاة المنشقّين والمشهود لهم بالخبرة والكفاءة والنزاهة في مجال القضاء عِلاوة على الكفاءات والأُطُر الشرعية المؤهَّلة لتشابه الاختصاص، ولأنّه يلبّي رغبة شعبية في المناطق المحرّرة.
- إبعاد التنظيمات المتطرّفة والتكفيرية وعدم السماح لها في ممارسة السلطة القضائية أو أيّ سلطة أخرى.
- الاعتماد على العناصر والخبرات الوطنية، وذلك لمجهولية الشخصيات الوافدة وعدم اضطلاعها بتفاصيل الأعراف المحلّية.
كما يمكن سرد بعض التوصيات المفيدة للمناطق الأخرى في العالم العربي والإسلامي التي تعيش حالة ثورية مشابهة للحالة السورية، أهمّها:
1) أن يدرك الثائرون أنّ مصلحة الاستقرار والأمن تتطلّب درجة عالية من الواقعية والتوفيق بين القوى الإسلامية والوطنية.
2) إنّ تحكيم الشريعة أمر واسع غير مقتصر على تطبيق الحدود، وإنّ اختزال الشريعة والدين ببعض الأحكام الجزائية فيه ظلم للمشروع الإسلامي نفسه وتحويله لأداة سيطرة مؤقّتة بدل أن يكون مشروعاً سياسياً نهضوياً لجميع المواطنين، بعد أن يتعمّقوا في مقاصد التشريع الإسلامي وسياساته في الوجه الصحيح.
3) إنّ ضعف الكفاءات سيؤدّي إلى أخطاء فادحة واجتهادات قاتلة، ولا بدّ من التغلّب عليها بواسطة تأهيل الكوادر والكفاءات في الجهة الحقوقية والشرعية.
4) إنّ تقنين الشريعة في ظلّ ظروف الفوضى ونقص الكفاءات هو الرأي الأصوب الذي يصبّ في صالح المجتمع، بل يجب أن يكون الرأي الوحيد في ظلّ الحاجة إلى بناء سلطات قضائية مستقرّة.
5) إنّ الشريعة الإسلامية لا تتعارض في الغالب مع الأعراف المحلّية ولا تصطدم بالضرورة مع جميع القوانين الوضعية، خاصّة تلك التي تتّخذ الشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامي المصدر الرئيس -أو مصدراً رئيساً- للتشريع، وفي إطار ذلك لا بدّ من محاولة التوفيق للخروج بصيغة متوافَق عليها محلّياً ودولياً، وهو ما نجح -لحدّ ما- في الثورة السورية عندما اعتُمد القانون العربي الموحّد، والقوانين المستمدّة من دستور عام 1950م بطريقة معدَّلة.
6) إنّ إقصاء الجماعات التكفيرية المتشدّدة من بداية الحالة الثورية، وإبعاد الأجانب عن مراكز صنع القرار وعن المؤسّسات الثورية بما فيها القضائية من شأنه تجنيب أيّ ثورة أو حركة إصلاحية الدخول في متاهات وصدامات ستنتهي في الغالب بإراقة الدماء وفشل التجربة، وسقوط المناطق بيد الحكّام المستبدّين من جديد.
7) إنّ بناء المحاكم يجب أن يراعي حساسية جميع الطوائف والأديان الموجودة في المنطقة، وأن تنطلق عملية البناء من مبادئ العدل والمساواة، وأن تعزّز السِّلم الأهلي في المنطقة التي تنشأ فيها، وهذا ما تؤكّده سماحة الإسلام.
8) إنّ الدين الإسلامي أَصَّلَ لمنظومة حقوقية شاملة، تتوافق مع ما جاءت به قوانين حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الملحَقة به، ولا بدّ من إدراك ذلك، والعمل ما أمكن على الالتزام بالقوانين والاتفاقيات الدولية، واستجلاب الدعم الدولي وتجنيب وسم المنطقة الثورية بالإرهاب نتيجة الخطابات المتشدّدة وإنشاء المحاكم الشرعية ذات النهج المتطرّف، الأمر الذي قد يطيح بالمشروع الثوري.
9) إنّ التركيز الأكبر يجب أن يكون على إسقاط النظام المستبدّ، دون إفراط أو تفريط بممارسة الحكم وضبط الأمن في المناطق المحرّرة، والسعي لتقديم نموذج مُشرِق في الحكم يزيد الدعم المحلّي والدولي.