كانت حركة أحرار الشام إحدى أهم الفصائل المجاهدة وأكبرها عددًا وأغناها كوادرًا والأكثر انتشارًا على خارطة الجغرافيا السورية والتي ولدت مع بداية الثورة السورية وانتقال الحراك السلمي إلى الحراك العسكري، لقد كان شأن حركة احرار الشام كشأن كل الحركات المؤدلجة التي تحمل تصورات عقدية وفقهية ومنها تنبثق المواقف والخطابات السياسية التي تراعي دائمًا الانتماء والانسجام مع الأيديولوجيا أكثر مما تراعي مقتضيات الواقع والضرورة والتمكين والموازنات
تأسست حركة أحرار الشام الإسلامية من اندماج جمع أربع فصائل أساسية، هي: كتائب الإيمان المقاتلة المنتشرة في الساحل السوري وريف دمشق، جماعة الطليعة الإسلامية المنتشرة في مدينة بنش وريفها في شمال إدلب ، حركة الفجر الإسلامية المنتشرة في محافظة حلب ، كتائب أحرار الشام الانتشار في إدلب وحماة
وكانت قيادة حركة أحرار الشام في مجملها تنحدر من خلفية سلفية جهادية ، كانت قد قضت مدة من الاعتقال في سجن صيدنايا العسكري في دمشق .
ومن أبرز هؤلاء القادة :
محب الدين الشامي ولد في دمشق عام 1976 واُعتُقل والده وهو صغير واعتُقل في سجن صيدنايا العسكري وهو صاحب نظرية الميكانيك السياسية، وكان يرأس المكتب السياسي .
عبد الناصر محمد الياسين – أبو طلحة القائد العسكري (الغاب, العسكري, المخزومي) مهندس زراعي وسجين سابق في سجن صيدنايا
أبو عبد الملك الشرعي العام لحركة أحرار الشام من مواليد مدينة اللاذقية /1982 -والوفاة 9/09/2014. انتقل إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في بداية 2003، تزامن ذلك مع استشهاد اثنين من إخوته في العراق وكان يرأس المكتب الشرعي.
اُعتُقل في نيسان 2004 من وحُكم لمدة سبع سنوات. خرج من سجن صيدنايا في 20 آذار/مارس 2011
أبو عبد الله الحموي قائد حركة أحرار الشام من مواليد محافظة حماة، درس اللغة الإنكليزية وعمل مدرسًا قبل اعتقاله من قِبل النظام السوري في 2004، وزُجّ في سجن صيدنايا قبل أن يُفرج عنه بعد أشهر من بداية الثورة السورية
وكانت الجذور السلفية الجهادية والإخوانية والأفكار السرورية تشكل مجمل الخلفية الفكرية لمؤسسي حركة أحرار الشام.
لقد عرفت حركة أحرار الشام نفسها في بيانها التأسيسي
بأنها ” حركة إسلامية إصلاحية شاملة، تقاتل في سبيل الله، وتذود عن حياض الدين، وتذبّ عن المستضعفين، وتعمل لنصرة دين الله وإعلاء كلمته وتخليص هذا الشعب من الدكتاتورية والتسلّط لعقود مضت”
وهددت أهدافها الكبرى بـ :
بناء مجتمع إسلامي في سوريا وأن يحكم هذا المجتمع بشرع الله .
وحددت أدواتها في العمل بـ : العمل المدني و العمل السياسي و العمل الدعوي و العمل العسكري لإسقاط النظام وبسط الأمن .
وكشأن كل الجماعات والحركات الإيديولوجية، شهدت حركة أحرار الشام مراجعات وتطورات مهمة في خطابها الشرعي والسياسي، لقد جاء هذه المراجعات في سياق عام ينطلق أساساً من تلافي الأخطاء التي وقعت فيها الحركات الجهادية السابقة، والتي وقعت في تجارب سابقة كانت قيادة حركة أحرار الشام على اطلاع مباشر عليها ، لقد كانت حركة أحرار الشام ومنذ تأسيسها تحاول أن تغيير مقدمات عملها المقاوم، لكي تتجنب الوصول إلى نفس النتائج الكارثية التي وصل لها تنظيم القاعدة من قبل ، وأثناء عملها وانطلاقها قامت حركة أحرار الشام بالكثير من المراجعات، و التي وإن كان الدافع الذاتي والقناعة الذاتية هي السبب الأبرز للإقدام عليها ، لكن بقي للأسباب الموضوعية التي تتعلق بشبكة الأفكار المتنوعة التي تحتويها الحركة من شخصيات كان لها تجارب مع القاعدة وجماعة الطليعة المقاتلة التي نشطت في العمل المسلح في ثمانينيات القرن المنصرم في سوريا ، وجذور من الانتماء لحركة الإخوان المسلمين والسلفية السرورية ، كانت تشكل بيئة نقاش محموم لتلاقح الأفكار والتجارب .
كما كان للمحيط القريب الذي يزدحم بمشاريع سلفية جهادية ومشاريع إسلامية دوره في التأثير على خطاب حركة أحرار الشام الذي يبحث لنفسه عن مكان بين هذا الكم الكبير من المنافسين على المشروع الإسلامي.
وكذلك كان للظروف الدولية والإقليمية دوره الكبير في التأثير على خطاب حركة أحرار الشام، التي كانت تتجنب كل ما من شأنه أن يضعها على قوائم التصنيف كحركة إرهابية ويقطع عنها الدعم الخارجي الذي كانت الحركة تعتمد عليه بشكل أساسي ومن هذه الظروف والعوامل:
- ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) الذي بدأ حرباً متوحشة ضد الفصائل خصوصاً منها الإسلامية.
- ازدحام الثورة السورية بالمشاريع الإسلامية بوجه عام وذات الطابع السلفي بوجه خاص.
- العمل السياسي بحد ذاته والعلاقات مع الداعمين والحلفاء من الدول
- المحافظة على تماسك حركة أحرار الشام وعدم حدوث انشقاقات داخل صفوفها، وترسيخ الوحدة الفكرية الإيديولوجية عند الجنود.
- كما كان هاجس الهروب من التصنيف على قوائم الإرهاب.
لقد جرت هذه المراجعات في بيئات متعددة ومتنوعة سمحت لأحرار الشام أن تنضج بعضها من خلال بيئة من التفاعل والحوار الداخلي والخارجي ومن هذه البئات
تجربة السجون والتجارب الجهادية السابقة التي كان قادة أحرار الشام يدرسونها ويقيمونها بسلبياتها وإيجابياتها.
الحوارات الداخلية ضمن صفوف الحركة بين أجنحتها السياسية والشرعية وبين الشرعيين أنفسهم .
اللقاء مع شخصيات كبيرة من قادة الفكر من الحركات الإسلامية.
الدخول في مناظرات فكرية مع تنظيمات الغلو والتطرف .
اللقاءات السياسية مع مؤسسات المعارضة وفصائل الجيش الحر، والتجمعات العلمائية من باقي ألوان الطيف السوري .
لقد أخذت المراجعات في شكلها شكل تصنيف الكتب وإصدار البيانات وإلقاء الدروس والمحاضرات والمناظرات المباشرة كما كان الشأن مع تنظيم الدولة الإسلامية، أو الردود الشرعية كما كان الشأن مع تنظيم جبهة النصرة.
أما في الجانب الموضوعي، فقد تناولت المراجعات العديد من الموضوعات، مثل مسائل الكفر والإيمان وعالجت قضية الإطلاقات التكفيرية التي وقعت بها السلفية الجهادية ومسائل الفقه السياسي وقضايا الاجتهاد الفقهي، وشرعية البيعة العامة وإعلان الدولة، ومسائل الفكر الحركي، ومدى صلاحية السلفية الجهادية لمدرسة مشكلة ومولدة لفكر الغلو والتكفير ، ومنها ما كان يتجاوز تناول الفروع والمنتج الفكري ليغوص في صلاحية المنهج نفسه ومن هنا جاءت أصوات تنادي بنسف منهج السلفية الجهادية برمته والعودة للمنهج المقاصدي كالشيخ أبي يزن الشامي وأبي أيمن الحموي .
لا شك أن حركة أحرار الشام لم تكن على سوية واحدة في انتاج المراجعات والنضوج، لكن كان الخط العام الملاحظة هو وجود تحول واضح في الخطاب السياسي والشرعي كان نتيجة طبيعية لنقاشات داخلية في صفوفها.
ربما لم تبلغ الكثير من هذه المراجعات غايتها فاستجابة القواعد كانت أبطئ بكثير من رؤية القادة، ناهيك عن الخلافات المستمرة داخل مجلس الشورى.
كما أن التربية السابقة على أدبيات السلفية الجهادية كانت تشكل صعوبة واضحة في عملية التحول الجذري إلا أن يكون التحول متدرجاً ثم جاء مقتل القادة في ظروف غامضة وهو ما شكل نقطة تحول جذرية في حركة أحرار الشام.
أوقف مسيرة المراجعات ودخلت الحركة بعدها في حالة من الاستقطاب الداخلي، والذي لم ينته إلا بعملية انشقاق كبيرة من صفوفها.
لقد اتسمت مرجعات حركة أحرار الشام بالعديد من الخصائص أهمها:
– أغلب هذه المراجعات كانت استجابة لضغط الواقع والإكراهات السياسية
– كانت الأفكار المؤسِّسة بمثابة الموجِّه المُحَايِثِ والمرافق لكل المراجعات والأفكار
– البحث الدائم عن مقاربة لمشروع ثوري مع الجيش الحر والفصائل المعتدلة مع عدم خسارة رضى السلفية الجهادية
– الانتقال من أفكار السلفية الجهادية إلى المدرسة المقاصدية
– البحث عن التمايز المنهجي والفكري عن كل من السلفية الجهادية والإخوان المسلمين
– نقد مباشر للسلفية النجدية كما جاء في كتاب (نحو منهج رشيد) كتاب أبي أيمن الحموي
لقد تعرضت مسيرة المراجعات لدى حركة أحرار الشام إلى العديد من التحديات منها ، ضغط العمل العسكري الذي يفرض خطاب الحرب دائما و عطالة المسار السياسي الذي يجعل من الخطاب السياسي مجرد تنازل بلا مقابل
وغياب الانسجام الفكري على المستوى الأفقي والعمودي داخل حركة أحرار الشام، وخروج الكثير من الشخصيات القيادية من صفوف حركة أحرار الشام ، وأخيراً مقتل القادة المؤسسيين وغياب الشخصيات التي تجتمع عليها أبناء حركة أحرار الشام .
لكن حركة احرار الشام وصلت لمسلمات كبيرة اليوم في العمل الوطني والانضواء في تشكيل الجيش الوطني والبحث عن مقاربة إصلاحية مع الائتلاف الوطني، وانتفاء التصلب المنهجي خصوصاً بعد تحرر القرار السياسي اليوم من الفيتو الشرعي بعد خفوت الصوت الإيديولوجي المرتفع وطغيان العمل العسكري على الثورة السورية وذهاب جبهة النصرة في خطوات كانت فيها أسبق من حركة أحرار الشام في التحول من خلال تماهيها إلى أبعد الحدود مع التفاهمات الدولية والإقليمية وقتالها لجماعات الغلو والتطرف التي كانت تنظر لهم على أنهم إخوة المنهج .
ربما نستطيع رسم بعض السيناريوهات المحتملة لحركة أحرار الشام على المستوى العسكري والسياسي والدعوي والبنيوي التنظيمي:
فقد نشهد على المستوى السياسي: تحول الكثير من القيادات المنشقة إلى العمل السياسي وربما يولد حزب سياسي يحمل هويتهم الفكرية ويعبر عن أهدافهم من خلال تنظيم سياسي يجمع أبناء حركة أحرار الشام.
أما على المستوى العسكري: فقد تذهب الحركة بعيدا في الانخراط مع مشروع تركيا في الشمال والاندماج التام في الجيش الوطني بعد شح موارد الدعم الذاتي والخارجي وانحسار مناطق سيطرة فصائل المعارضة.
وعلى المستوى التنظيمي: فقد يكون انفكاك قيادة الحركة من معوقات الوصاية الشرعية واتسام الخطاب السياسي دافعاً إلى المزيد من البرغماتية والواقعية السياسية في أخذ القرارات.
وعلى مستوى الخطاب الدعوي: ربما تتحول الحركة إلى الخطاب السلفي الحركي وتتحول إلى سلفية وطنية متماهية مع اللون السوري في التدين.