تعيش مصر، أكبر الدول العربية سكاناً، فترة من القمع الجماعي والاضطرابات والعنف السياسي لم تشهد لها مثيلاً في تاريخها الحديث. وينعكس هذا في الموجات المتصاعدة من أحداث العنف السياسي والقمع والهجمات الإرهابية في جميع أنحاء البلاد. وترجع أصول تلك الموجة العنيفة إلى البيئتين الاجتماعية والسياسية اللتين نتجتا عن انقلاب عام 2013 وصعود النظام العسكري الجديد في مصر. ولا تهدد هذه الموجة المتصاعدة من العنف السياسي الأمن الإقليمي فقط، وإنما تشكل تهديداً للأمن الأوروبي أيضاً، حيث أن مصر قد تصبح مرتعاً للتطرف الذي يمكن تصديره عبر البحر المتوسط.
تدرس هذه الورقة البحثية الديناميكية الراهنة داخل النظام السياسي المصري وتأثيرها على صعود التطرف. ومن ثم، فإن القسم الأول من الورقة يناقش هيكل النظام المصري بعد انقلاب عام 2013، بما في ذلك دراسة سياسة القمع الجماعي التي ينتهجها النظام وتبريرها الأيديولوجي المبني على “الحرب على الإرهاب”. أما القسم الثاني، فيناقش تأثير هذه السياسات على القوى السياسية الرئيسية في سياق المشاركة السياسية وإمكانية التحول إلى التطرف. ويقدم القسم الثالث تحليلاً للتمرد القائم والمستمر في سيناء، مع التركيز بشكل خاص على رد فعل الحكومة عل ذلك التمرد. أما القسم الرابع، فيدرس السياق الدولي للحرب الجارية على الإرهاب. وأخيراً، تختتم الورقة بتقديم توصيات بسياسات خاصة بكيفية التواصل مع النظام المصري والقوى السياسية المصرية والحكومات الغربية.
وتخلص الورقة إلى أن حالة القمع الجماعي في مصر قد خلقت بيئة سياسية لا تعوق التطور الديمقراطي فحسب، بل بيئة مواتية لصعود الجماعات الجهادية المتطرفة. ومن ثم، فإن هناك عدد من السياسات فيما يتعلق بالتواصل مع الحكومات الغربية وكذلك مع الحكومة المصرية والقوى السياسية، وتلك السياسات بمثاية خطوات أولى ضرورية لتفادي هذا التهديد.
وفيما يخص الحكومة المصرية، فينبغي حثها على الأتي:
• تحسين الظروف المتردية في منظومة السجون المصرية ، والتي تعاني من الاكتظاظ وسوء الظروف الصحية، مما أدى إلى حدوث عدد من الوفيات بين المساجين والمحتجزين.
• البدء في إصلاح القطاع الأمني، مما يسمح بالتحقيقات بدلاً من التعذيب الممنهج كطريقة أساسية لجمع المعلومات. ومن الأهمية بمكان أن نلاحظ أن التعذيب، لا سيما الاعتداء الجنسي، ورد ذكره باعتباره أحد الأسباب الرئيسية للهجمات الانتقامية ضد الشرطة.
• التخلي عن سياسة وضع جماعة الإخوان المسلمين في نفس الخانة مع الجماعات الجهادية، الأمر الذي يؤدي إلى نتائج عكسية من حيث وضع استراتيجية واضحة ومتماسكة لمكافحة الإرهاب. ويتطلب ذلك ازالة اسم جماعة الإخوان المسلمين من قائمة الإرهاب.
• الشروع في عملية مصالحة وطنية تسمح بإعادة دمج الإخوان المسلمين في العملية السياسية. ويقتضي ذلك مراجعة أحكام الإعدام والسجن الجماعية التي صدرت بحقهم في محاكمات جماعية مريبة.
• الوقف الكامل لسياسة الاختفاء القسري وغيرها من الأساليب التي تحدث خارج إطار القضاء، والتي ساهمت بشكل كبير في تراجع حكم القانون.
• التوقف التام عن القمع الجماعي العشوائي، مما يتطلب إلغاء قانوني التظاهر ومكافحة الإرهاب أو تعديلهما.
أما بالنسبة للقوى السياسية المصرية، فيقترح الآتي:
• يجب تشجيع جماعة الإخوان على قبول المصالحة مع النظام إذا ما طرحت عملية المصالحة. كما يجب التخلي عن المطلب القديم بعودة الرئيس المخلوع، وذلك بالإضافة إلى الإدانة الواضحة للعنف.
• ينبغي على جماعة الإخوان المسلمين أيضاً مراجعة سياساتها من عام 2011 إلى عام 2013، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في الاستقطاب الذي حدث في النظام السياسي المصري، مما وفر غطاءً شعبياَ للانقلاب في عام 2013.
• يجب حث المعارضة العلمانية على رؤية أحداث 30 يونيو 2013 باعتبارها انقلاباَ. فهناك حاجة ماسة لاتخاذ موقف نقد ذاتي وإعادة النظر في السياسات والآراء السابقة.
أما بالنسبة للحكومات الغربية والمنظمات الدولية، فيقترح الأتي:
• التوقف عن مبيعات الأسلحة، وخاصة تلك التي يمكن استخدامها كأدوات للقمع، إلى أن تحسن الحكومة المصرية من أدائها فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
• التوعية بأن سياسات النظام المصري تسهم في زيادة تهديد الجماعات الجهادية، بدلاً من تحجيمه، مما من شأنه أن يهدد الأمن الأوروبي.
• ممارسة ضغوط دولية سياسية معلنة على النظام المصري من أجل تحسين سجله لحقوق الإنسان.
يجب أن تمارس القوى الإقليمية والدولية ذات الصلات الوثيقة أو المتزايدة مع النظام المصري ضغوطًا، ليس في العلن فقط، وإنما أيضًا بشكل خاص، لتحفيزه على التراجع عن القمع. ويمكن أن تشمل هذه القوى الإمارات العربية المتحدة وروسيا والولايات المتحدة. كما أن موقف الرئيس ترامب سيكون حاسما في هذا الصدد. • ﻳنبغي رﺑﻂ ﺣﺰم اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻟﻘﺮوض ﺑﺘﻨﻔﻴﺬ اﻟﻨﻘﺎط اﻟﻤﺬكورة آنفًا.